عداد متصفحي المدونة

الاثنين، 29 ديسمبر 2008

نبذة عن الراديو ( المذياع )، الإذاعات و البث الإذاعي

مقدمة :
       تُعَدّ الإذاعة (الراديو) من أهم وسائل الاتصال؛ إذ مكّنت المجتمعات الإنسانية من إرسال الصوت الإنساني، والموسيقى، والإشارات بأنواعها المختلفة، إلى أرجاء متعددة من العالم. وبفضلها، أصبح في إمكان المسافرين على متن السفن والطائرات، الاتصال وتبادل المعلومات. كما يمكن استخدام موجات الإذاعة في الاتصال بالفضاء الخارجي.

       كان البثّ الإذاعي، ولا يزال، هو الاستخدام الأكثر شيوعاً لموجات الإذاعة. وهو يشمل البرامج الدينية، والموسيقى، والأخبار، والمقابلات، ووصف الأحداث، الرياضية والفنية؛ إضافة إلى الإعلانات التجارية. ويستيقظ الناس على ساعة المذياع؛ ويقودون سياراتهم إلى أعمالهم، مستمعين إليه؛ كما يمكنهم الاستماع إلى البرامج الإذاعية، في أوقات راحتهم.

       وقد أخذ البثّ الإذاعي، في الماضي، الدور نفسه، الذي يأخذه التليفزيون في الوقت الراهن، في تسلية الناس، فكانت تتجمع ملايين العائلات، في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وأوروبا، خلال الفترة من العشرينيات وحتى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، حول أجهزة الإذاعة، في كل ليلة، يستمعون إلى التمثيليات والبرامج المرحة الخفيفة وبرامج المنوعات والبث المباشر للحفلات الموسيقية، والعديد من البرامج المنوعة الأخرى. هذه الفترة، التي تدعى، في بعض الأحيان، بالعصر الذهبي للبثّ الإذاعي، انتهت في معظم المجتمعات الغربية، مع بدء تألق التليفزيون وانتشاره.

       وللإذاعة استخدامات أخرى، إضافة إلى البثّ الإذاعي. فالطيارون ورواد الفضاء، وعمال البناء، ورجال الشرطة، والملاحون، والبحارة، والجنود، وسائقو سيارات الأجرة، كلهم يستخدمون الإذاعة في الاتصالات السريعة. كما يرسل العلماء الموجات الإذاعية إلى الجو؛ للتكهن بأحواله. وترسل شركات الهاتف والبرق الرسائل، بوساطة الإذاعة، وباستخدام خطوط الهاتف والبرق. كما يشغِّل هواة الإذاعة محطات استقبال وبثّ، خاصة بهم.

       تعمل الإذاعة بتحويل الأصوات والإشارات، إلى موجات كهرومغناطيسية، تدعى، كذلك، موجات الإذاعة، التي يحوِّلها جهاز الاستقبال إلى الصوت الأصلي. وهي تنطلق عبْر الهواء والفضاء، بسرعة الضوء، أي 792 299كم/ث، كما تستطيع الانتشار عبْر بعض الأجسام الصلبة، كجدران المباني، بسرعة الضوء، أي 792 299كم/ث.

       أسهم العديد من العلماء في تطوير الإذاعة، فلا يمكن أن يُعزى اختراعها إلى عالِم بعينه. وقد أرسل العالم الإيطالي، جوليليو ماركوني، أول إشارة بثّ إذاعي، عام 1895. أما في الوقت الراهن، فإن موجات الإذاعة، تُبث من آلاف المحطات والمصادر المختلفة، وتملأ الجو بإشاراتها وبثّها المتواصل.

أولاً: البث الإذاعي :
       أدى تطور الراديو، في أواخر القرن التاسع عشر، إلى ثورة في الاتصالات. ففي ذلك الوقت، لم يكن هناك سوى وسيلتَين، للاتصال السريع بين المناطق البعيدة، هما: البرق والهاتف؛ وكلاهما يتطلب أسلاكاً، لحمل الإشارات بين المناطق المختلفة. ولكن الإشارات، التي تحملها موجات الإذاعة، تنتقل خلال الهواء، مما مكن المجتمعات البشرية من الاتصال بسرعة، بين أي نقطتَين على الأرض، أو في البحر أو الجو، وحتى في الفضاء الخارجي.

       أدى البثّ الإذاعي، الذي بدأ ينتشر خلال عشرينيات القرن العشرين الميلادي، إلى تحولات رئيسية في الحياة اليومية؛ وجلب تنوعاً كبيراً في وسائل التسلية داخل المنزل؛ ومكّن، وللمرة الأولى، من الاطلاع على تطور الأحداث، أثناء حدوثها أو بعده مباشرة.

1. التطورات الأولى :
       تطوَّرت الإذاعة، شأنها شأن سائر الاختراعات، بعد نظريات وتجارب، أسهم فيها العديد من العلماء. وقد وضع العالم الأمريكي، جوزيف هنري؛ والفيزيائي البريطاني، مايكل فاراداي، إحدى أهم النظريات، في أوائل القرن التاسع عشر؛ على أثر تجاربهما، كلٌّ على حدة، على القوة المغناطيسية الكهربائية، وتوصّلهما إلى النظرية القائلة بأن مرور تيار في سلك، يمكن أن يؤدي إلى مرور تيار في سلك آخر، مع أن السلكَين غير متصلَين. وتسمى هذه النظرية نظرية الحث. وقد شرحها الفيزيائي البريطاني، جيمس كلارك ماكسويل، عام 1864، بافتراضه وجود موجات كهرومغناطيسية، تنتقل بسرعة الضوء. وأثبتت تجارب الفيزيائي الألماني، هينريتش هرتز، 1880، صحة نظرية ماكسويل.

       ثم تمكّن المخترع الإيطالي، جوليلمو ماركوني، بالاستناد إلى أفكاره الخاصة والأفكار والنظريات السابقة، من إرسال أول إشارة اتصال بموجات الإذاعة عبْر الهواء، عام 1895، مستخدماً الموجات الكهرومغناطيسية، لإرسال شفرات برقية، إلى مسافة تزيد على 1.5كم. وفي عام 1901، حقق ماركوني أول إرسال للإشارات الشفرية، عبْر المحيط الأطلسي، بين إنجلترا ونيوزيلندا.
وفي بدايات القرن العشرين، طوّر المهندسون الكهربائيون أنواعاً مختلفة من الصمامات (الصمامات المفرغة)، التي استخدمت في كشف إشارات الإذاعة وتضخيمها. وحصل الأمريكي لي دي فورست، عام 1907، على براءة اختراع صمام، أسماه الثلاثي، يستطيع تضخيم الإشارات الإذاعية؛ وأصبح العنصر الأساسي في مستقبل المذياع. وهناك الكثير من الادعاءات، في شأن أول بثّ إذاعي لصوت بشري، عبر الهواء. ولكن أغلب المؤرخين، يرجعون الفضل إلى الفيزيائي الكندي المولد، ريجنالد فسندن، الذي تحدّث، عام 1906، بوساطة موجات الراديو، من برانت روك، في ماساشوسيتس، في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى سفن مبحرة في المحيط الأطلسي. كذلك، كان للمخترع الأمريكي، إدوين أرمسترونج، إسهامه الكبير في تطوير مستقبلات الإذاعة؛ إذ طوّر، عام 1918، الدائرة المغايرة الفوقية، من أجل تحسين الاستقبال في المذياع؛ ذات قدرة اختيارية عالية، ولا تزال تستخدم حتى اليوم. وأخيراً، طوّر أرمسترونج، عام 1933، البثّ الإذاعي، بتضمين التردد.

       كان الاستخدام العملي الأول الإذاعي (اللاسلكي) ـ هو الاتصال بين سفينة وأخرى، أو سفينة وشاطئ؛ مما أسهم في إنقاذ الآلاف من ضحايا كوارث البحر. وقد حدث أول إنقاذ بحري، من طريق استخدام موجات الإذاعة، عام 1909، حينما اصطدمت السفينة س. س. رببليك بسفينة أخرى، في المحيط الأطلسي، وأرسلت نداء استغاثة، بالراديو، للمساعدة على إنقاذ ركابها، وأسهم في نجاة معظمهم. وأسهم الراديو، كذلك، في إنقاذ بعض ركاب الباخرة الشهيرة، تيتانيك، عام 1912.

       وابتداء من ثلاثينيات القرن العشرين، استخدمت موجات الإذاعة على نطاق واسع، في التطبيقات، التي تستدعي الاتصال السريع، مثل استخدامها من قِبل الطيارين، وقوات الشرطة والجيش.

2. بداية البثّ الإذاعي :
       بدأ البثّ الإذاعي التجريبي نحو عام 1910، حينما نقل لي دي فورست برنامجاً، من مسرح غنائي، في مدينة نيويورك، في الولايات المتحدة الأمريكية، نجمه المغني الشهير، إنريكو كاروسو.

       بدأت خدمات البثّ الإذاعي، في العديد من الدول، في عشرينيات القرن العشرين. ومن المحطات التجارية الأولى محطة تجارية، في مدينة ديترويت الأمريكية، التي بثّت بثّاً منتظماً، ابتداءً من 20 أغسطس 1920؛ ومحطة بثّ إذاعية تجريبية، في مدينة بتسبيرج الأمريكية، وهي محطة كدكا، التي بدأت البثّ عام 1916، واضطلعت بنقل نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عام 1920.

       أمّا أول محطة إذاعة أسترالية، وهي سيدني المحدودة، فبدأت الإرسال في 13 نوفمبر 1923. وتلتها محطة أخرى، بدأت البثّ في يناير 1925. وفي نيوزيلندا، منحت الحكومة ترخيصاً لشركة الإذاعة النيوزيلندية، عام 1923؛ ثم استبدلت بها، عام 1932، مجلس الإذاعة النيوزيلندية.

       وبدأت خدمات البثّ الإذاعي الأيرلندية عام 1926، وكانت جزءاً من وزارة البريد والبرق، حتى عام 1960، حين أصبحت هيئة. أمّا هيئة الإذاعة البريطانية، فقد بدأت إرسالها عام 1922، ثم أصبحت هيئة عامة، عام 1927. وفي ديسمبر 1932، بث الملك جورج الخامس أول عيد ميلاد ملكي، إلى المستعمرات البريطانية، آنذاك؛ فسُمع صوته في بلدان بعيدة، كأستراليا ونيوزيلندا.
وبدأ البثّ الإذاعي، في جنوبي آسيا، في عشرينيات القرن العشرين. وكانت شركة إذاعة الهند، هي أول محطة بثّ إذاعي هندية، تمنح ترخيصاً للبثّ، وذلك عام 1927. ولكنها توقفت عن عملها؛ فيما بعد، نظراً إلى افتقاد الناس الأجهزة الإذاعية. وفي عام 1932، أنشئت محطة إذاعة الحكومة الهندية، وأُعيدت تسميتها، عام 1936، بإذاعة كلِّ الهند. وفي باكستان، سلّمت جميع محطات الإذاعة إلى الحكومة، عام 1947، لتشغيلها وإدارتها والإشراف عليها. وتخضع محطة الإذاعة في آسيا لسيطرة الحكومة، وهو محصور في المناطق الحضرية.

       قُبَيْل الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وبُعَيدَها، كان العصر الذهبي للإذاعة؛ ففي تلك الفترة، التي سبقت الانتشار الواسع للتليفزيون، حظيت البرامج الإذاعية، في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وأوروبا، بشعبية كبيرة.

3 - العصر الذهبي للإذاعة :
       وهو يمتد من أواخر عشرينيات القرن العشرين، حتى بداية خمسينياته؛ ففي تلك الفترة، كانت الإذاعة هي المصدر الرئيسي لتسلية الجمهور؛ إذ كانت العائلات تجتمع، أثناء فترة البثّ، للاستماع إلى البرامج الفكاهية ،والموسيقى وأنواع، عديدة أخرى من البرامج الإذاعية. وكان الأطفال يهرعون من المدرسة إلى منازلهم، للاستماع إلى البرامج المخصصة لهم. وفي أثناء النهار، كان ملايين النساء يستمعن إلى مسرحيات، أطلق عليها، في الولايات المتحدة الأمريكية، اسم أوبرات الصابون؛ لأنها كانت مدعومة من شركات إنتاجه.

       وأسفرت البرامج الفكاهية عن العديد من المشاهير الهزليين، أمثال جورج بيرنز، وجراسيي ألين، وجاك بيني، وبوب هوب، في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وآرثر أسكي، وتومي هاندلي، في بريطانيا. وازداد جمهور المستمعين، الذين جذبتهم أنباء الحرب، أثناء الأربعينيات، وخُطَب قادة الحلفاء، أمثال ونستون تشرشل.

       وأدخلت الإذاعة إلى المنازل الموسيقى، بجميع أنواعها، بدءاً من الموسيقى الهادئة (الكلاسيكية)، حتى الموسيقى الصاخبة (الجاز). وأصبح قادة الفِرق الموسيقية المشهورة، أمثال تومي دورسي، وديوك الينجتون، وجلين ميلّر، وهنرك هوك، وبيلي كورتون ـ نجوماً إذاعيين. وأذيعت مسرحيات عديدة، كان لها أثرها الكبير في المستمعين، مثل بك روجرز في القرن الخامس والعشرين، وسوبرمان، والعميل الخاص ديك بارتون، ورحلة في الفضاء. ونالت مسلسلات إذاعية، مثل رماة السهم، الذي لا يزال يذاع في بريطانيا، منذ 40 سنة ـ شعبية واسعة؛ ناهيك ببرامج حوارية شهيرة، مثل مسؤولية العقول؛ إضافة إلى المسابقات الإذاعية .
وفي خمسينيات القرن العشرين، ظهر نوع جديد من العروض الفكاهية، أحبه الناس وتابعوه، مثل الأبله، في المملكة المتحدة. وكان لإدجار بيرجون، الذي يتكلم من بطنه، مع دميته تشارلي مارثي؛ وبيتر بروف، مع دميته أرشي أندروز ـ عروضهما الفكاهية الخاصة. وانتشرت، كذلك، برامج، تقدِّم طلبات المستمعين، من الأغاني المفضلة لديهم، والتي لم تصل إلى الإذاعة، من طريق الرسائل البريدية. ولاقت برامج الأطفال قبولاً واسعاً، بين أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته؛ فقدَّمت هيئة الإذاعة البريطانية برنامج ساعة الأطفال، الذي نال ثناءً كثيراً؛ لمزجه بين التعليم والإثارة والتسلية.

       وتجلى ما للإذاعة من تأثير في المجتمع، في حادثة غريبة، وقعت في 30 أكتوبر 1938. ففي ذلك اليوم، كان يذاع، في الولايات المتحدة الأمريكية، برنامج، أُطلق عليه اسم حرب العوالم، وضعه المنتج والممثل الأمريكي، أرسون وليز. وقد اتخذ البرنامج، المقتبس من رواية خيال علمي، تحمل العنوان نفسه، لمؤلِّفها البريطاني، أتش جي ولز ـ شكل تقارير إخبارية، في شأن هجوم على ولاية نيوجيرسي الأمريكية، من قِبل غرباء، من كوكب المريخ. وعلى الرغم من أن المذيع أخبر المستمعين، أن البرنامج محض خيال علمي، غير واقعي، إلا أن كثيراً منهم، أصيبوا بحالات من الهستريا الجماعية، تجلت في طلب النجدة، واستفسار الشرطة عما يجب عمله؛ بل أخلى العديد منهم بيوتهم، آخذين معهم بعض ممتلكاتهم؛ وعولج كثيرون في المستشفيات، بسبب تأثير الصدمة فيهم.
وفاق بعض المحررين الإخباريين أقرانهم من الممثلين؛ ولا سيما المحررَين الأمريكيَّين، والتر ونشل، وإدوارد مورو؛ والإنجليزي ريتشارد ديمبلي. واكتسبت الأخبار أهمية خاصة، خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، حين التفّ الملايين حول الأجهزة الإذاعية، ليَتَسَقَّطوا أنباءها. وأصبحت حكومات البلدان المتحاربة، تبثّ شائعات واسعةً، لأهداف دعائية، كما استخدم الإذاعة القادة السياسيون، مثل ونستون تشرشل، وشارل ديجول، لإيصال خُطبهم إلى مواطنيهم.

       ووجَّهتْ هيئة الإذاعة البريطانية رسائل مشفرة، إلى رجال مقاومة الاحتلال الألماني، في أوروبا المحتلة. واستمع الجمهور الإنجليزي إلى صوت العميل وليم جويس، المعروف باسم اللورد هاو ـ هاو، الذي استخدمه النازيون في بثّ معلومات خاطئة عن الحرب.

       وسرعان ما أدرك السياسيون أهمية الإذاعة وفاعليتها، في التأثير في الناخبين. واشتهر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فرانكلين روزفلت (1933 ـ 1945)، باستخدامه البثّ الإذاعي، من خلال برنامجه غير الرسمي، أحاديث حول المدفأة. وقد ظلت الحكومات المختلفة تعتمد على الإذاعة في إيصال توجهها السياسي إلى الملايين من أفراد الشعب، منذ أربعينيات القرن العشرين؛ ولكن حلَّ التليفزيون محلها، في كثير من بلدان العالم، كوسيلة للتأثير في المجتمع، بدءاً من خمسينيات ذلك القرن.

4 - البث الإذاعي اليوم :
       في خمسينيات القرن العشرين، انصرم العصر الذهبي للإذاعة؛ إذ آثر الناس التليفزيون عليها، في مشاهدة العروض الفكاهية، والمسرحيات، والمنوعات الأخرى. واعتقد الكثيرون، أنه سيقلل من الأهمية، التي حظيت بها، في مجال الاتصالات؛ لقِلة عدد مستمعيها؛ بيد أن هذا الاعتقاد، سرعان ما تبدد؛ إذ ازداد مستمعوها، بدل أن يتناقصوا.

       وساعدت الموسيقى على نمو البث الإذاعي؛ إذ أصبحت المصدر الرئيسي للتسلية الإذاعية، ولا سيما موسيقى الروك، التي استحدثت في خمسينيات القرن العشرين، وغدت أهم أنواع الموسيقى، في الغرب. واكتسبت الإذاعة العديد من المستمعين، وبخاصة المراهقين، ببثّها أنواعاً أخرى من الموسيقى، مثل موسيقى البوب.

       وتطورت برامج الإذاعة، لاجتذاب المزيد من المستمعين؛ فشملت، مثلاً، المقابلات الإذاعية، والمكالمات الهاتفية، إضافة إلى التخصص بإذاعة الأخبار فقط، الذي يتميز بنقل الأحداث وتحليلها تحليلاً وافياً، وعميقاً. وتتوافر، في بعض الدول الصناعية، الآن، محطات متخصصة بخدمة مجموعة معينة من الناس، أو بثّ نوع واحد من الموسيقى.

       وأسهم في ازدياد شعبية الإذاعة، ظهور الأجهزة الإذاعية المحمولة، الصغيرة الحجم، التي مكنت المستمعين من نقلها إلى أي مكان يريدون، ما كان مصدر متعة لهم. وشهد جهاز السيارة الإذاعي، كذلك، تطوراً ملحوظاً، وعمّ جميع السيارات، المصنعة في أوروبا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

       كذلك، أسهمت الشعبية المتزايدة للبثّ بتضمين التردد FM، في زيادة نموّ الصناعة الإذاعية، نظراً إلى ما يقدمه من صوت عالي الجودة، يفوق تقنية تضمين الاتساع AM. وشارك البثّ بالصوت المجسّم (الستريو)، الذي بدأ بالظهور في ستينيات القرن العشرين ـ في ازدهار الإذاعة. وانتشرت أجهزته، في العقدَين التاليَين، لقدرتها على نقل الموسيقى، وغيرها من البرامج، كالحفلات والمسرحيات، نقلاً قريباً جداً من الواقع.

5 - البثّ الإذاعي العربي :
       يعود تاريخ الإذاعة العربية إلى سنوات بعيدة، اتخذت، في خلالها، منهاجاً ثابتاً؛ واقتصر معظمها على موجة أو موجتَين. ولكن البثّ الإذاعي العربي، شهد، في السنوات الأخيرة، تطوراً كبيراً؛ عبْر تعدُّد الإذاعات العربية، وعدم الاقتصار على الإذاعة المركزية، في كل عاصمة عربية، والانتشار في المدن الرئيسية الأخرى.

       ويخضع البثّ الإذاعي العربي لإشراف الحكومات العربية، تشغيلاً وإدارة. وهو يتنوع ما بين الأخبار، والقرآن الكريم، والبرامج الترفيهية، والثقافية، والتعليمية، والرياضية، وتنمية البيئة والمجتمع. بل خصّ بعض الحكومات العربية تلاوة القرآن الكريم وتفسيره، والبرامج الإسلامية المتنوعة، ببعض المحطات الإذاعية؛ كما في المملكة العربية السعودية ومصر وغيرهما. زد على ذلك البثّ باللغات الأجنبية، لاجتذاب المزيد من المستمعين، من الجاليات الأجنبية. وهكذا، استطاع البثّ الإذاعي العربي، أن يُكوِّن شخصيته المستقلة.

6 – التطورات المستقبلية :
       لن يؤدي التوسع في استخدام البثّ السمعي الرقمي، إلى تحسّن نوعية الصوت فحسب؛ بل ستزداد، كذلك، الخدمات المتنوعة، التي يمكن أن تقدمها الإذاعة. ومن المتوقع أن يغطي البثّ السمعي الرقمي العالم، مع مطلع القرن الجديد؛ وسيواكب ذلك استخدام الراديو المتعدد الوسائط.

       وعلى الرغم من أن التوقعات، تشير إلى أن برامج المستقبل، ستكون مشابهة للبرامج الإذاعية الحالية؛ إلا أنها ستكون مصحوبة بالصور والنصوص والأشكال؛ ما سيرفع قيمتها المعلوماتية. فعلى سبيل المثال، يمكن نقل المعلومات المحلية عن مشاكل الحركة، أو مقترحات اختيار الطريق، عبْر إحدى قنوات بيانات البثّ السمعي الرقمي. ويمكن السائقين الحصول على هذه المعلومات، من خلال أحاديث مبرمجة، أو عبْر نصوص أو خرائط. وقد تصاحب المعلومات السمعية معلومات نصية أخرى؛ فقد يعرض، مثلاً، اسم مقطوعة موسيقية، أو اسم مؤلفها، أو رقم هاتف برنامج إذاعي معين، أو دليل برامج إليكتروني ـ على شاشة العرض البلوري السائلي لمذياع. ومع التقدم التقني ستزداد مجالات استخدام المذياع، مما سيجعلها أداة اتصال مهمة، على كل المستويات.

ثانياً: عمل الراديو: 
       يتحقق الإرسال والاستقبال، في كل أنواع الاتصالات، التي تمرّ من طريق موجات الراديو، من خلال مراحل ثلاث، هي:
أ. تكوين إشارات الاتصال، وتحويلها إلى موجات إذاعية.
ب. إرسال الموجات الإذاعية، الحاملة للمعلومات الصوتية أو غيرها.
ج. استقبال تلك الموجات، وتحويلها إلى شكل، يمكِن فهْمه.

1 - كيفية ُبَثّ البرامج الإذاعية :
       محطات البث الإذاعي، هي أماكن بثّه؛ وتكون، عادة، في مبانٍ، تضم مكاتب عديدة، أكثرها أهمية مركز الأستوديو، المغلَّق بمواد عازلة، تمنع تسرب الأصوات والضجيج الخارجي، والمكوَّن من جزءَين منفصلَين: أحدهما، غرفة المراقبة والتحكم؛ والآخر، قاعة الأستوديو الرئيسية. تحتوي غرفة المراقبة والتحكم على أجهزة البثّ، ويفصل حائط بينها وبين قاعة التسجيل الرئيسية، فيه نافذة كبيرة، تتيح للعاملين في الغرفتَين رؤية بعضهم بعضاً. كما يوجد فيها لوحة تحكّم، تشمل مجموعة من الأجهزة، التي تنظم الأصوات. ويمكن بعض الأنشطة الإذاعية، مثل البثّ الموسيقي المسجل، أن تجري، عادة، في غرفة التحكم، أو في قاعة الأستوديو الرئيسية.

2 - وضع البرنامج على الهواء :
        يتضمن أعمالاً، مثل: كتابة النص، وإعلان البرامج وقراءتها، والتحكم في أجهزة البثّ. ويمكن المذيع نفسه، في المحطات الصغيرة، أن يكتب البرامج ويعلنها، ويقدم الموسيقى المسجلة، ويشغل أجهزة التحكم. بينما يكون الأمر مختلفاً، في المحطات الكبيرة، حيث يتوافر العاملون، الذين يُعِدُّون البرامج، بما في ذلك كتابة الأخبار، والمنوعات المختلفة؛ وبذلك، يتسنى للمذيع قراءتها أو التعليق عليها، من دون نص مكتوب.

       أصبح العديد من محطات الإذاعة، تعمل بطريقة آلية، بعد انتشار الحواسيب، واضطلاعها بالعديد من المهام، كتشغيل الأجهزة، وتسجيل البرامج، وإرسال لوائح الاستحقاقات إلى المعلنين، وفي بعض الأحيان تشغيل لوحة التحكم.

       وتوفر الأنظمة المال والوقت، وتحسّن نوعية البرامج. ففي أوروبا وأمريكا الشمالية، على سبيل المثال، يستخدم العديد من المحطات الإذاعية نظاماً رقمياً، تُبث، بمقتضاه، البرامج والمواد الإخبارية، المسجلة مسبقاً، من أقراص مدمجة، عوضاً عن الأشرطة، مما ينتج نوعية جيدة من الأصوات.

       وكان استخدام الأقراص المدمجة في بث الموسيقى، متاحاً، وواسع الانتشار، لسنوات عديدة؛ ولكن استخدام التقنية الرقمية، وبرامج الأحداث الجارية، هو حديث، إلى حدٍّ ما، وأدى إلى تغيّر في طريقة إعداد البرامج. فقد يشتمل برنامج يتناول أحدث ما توصل إليه علم الطب، على سبيل المثال ـ على عشر مقابلات، تسجل في أوقات منفصلة، وفي أماكن مختلفة، على شريط. وبعد ذلك؛ تحرر رقمياً على شاشة حاسوب، عوضاً عن الطريقة التقليدية، التي تنطوي على قطع الشريط بشفرة؛ وتضاف التعليقات والموسيقى، وتوضع في قرص مدمج، بغرض البثّ.

       ولا تستخدم الأشرطة في المقابلات الهاتفية. وعوضاً عن ذلك، يمكن تسجيل المقابلة، مباشرة، على الحاسوب، ويمكن رؤيتها على الشاشة مع الصوت. يمكن، بعد ذلك، تحريرها على الشاشة؛ ثم تنقل إلى قرص مدمج، بهدف البثّ، من دون فقدان جودة الصوت.

       وإعداد بعض المناهج الإذاعية، مثل الأعمال التمثيلية، أو المسلسلات المأسوية، يكون، عادة، أصعب من إعداد البرامج الموسيقية؛ إذ يُعِدّ الكتّاب نصوصهم، الفكاهية والمأسوية؛ ثم يقود المخرج الممثلين والممثلات، الذين يؤدّون أدوارهم، أمام الجماهير (الميكروفونات). وقد يقدِّم أحد المذيعين مقدمة البرنامج ونهايته؛ ويضيف إليه خبراء الصوت المؤثرات الصوتية المختلفة، مثل دويّ الرعد، وصرير الأبواب، وصهيل الخيول وغيرها؛ وتعزف فِرق موسيقية مقطوعات تُنقل مباشرة إلى المستمعين بشكل مباشر. ويقدَّم بعض العروض الإذاعية في قاعات تسجيل، تشبه المسرح أمام الجمهور. إلا أن البرامج الإذاعية، في الوقت الراهن، لا تستدعي هذا التنوع في طرائق الإنتاج، نظراً إلى الاهتمام بالموسيقى، والمقابلات الإذاعية، والأخبار المتنوعة.

3 - من الموجات الصوتية إلى تلك الكهربائية :
       يتكون البرنامج الإذاعي من أحاديث، وموسيقى، وغير ذلك من أصوات. وهذه في مجموعها، يمكن أن تُنقل حية على الهواء، أو تُسجَّل، لتذاع فيما بعد. وتُبَثّ الأصوات الحية، مباشرة، في الوقت نفسه، الذي تُنتج فيه؛ وتشمل أحاديث المذيعين، كما تشمل أصواتاً من أماكن بعيدة، مثل التعليقات على مباريات كرة القدم والمسابقات، أو المقابلات، وتقارير الأخبار، التي تنقل إلى قاعة الأستوديو بوساطة الهاتف، أو من قاعات أستوديو بعيدة. بينما الأصوات المسجلة، لا تُبَثّ مباشرة؛ وإنما تخزن على شريط مغناطيسي، لإذاعتها لاحقاً؛ كما هو حال معظم الإعلانات والموسيقى.

       ويعتمد فهْم آلية البثّ الإذاعي، على فهْم الصوت وماهيته. وتتكون كل الأصوات من اهتزازات؛ فصوت شخص ما، مثلاً، يتكون من اهتزازات الهواء، الناجمة عن اهتزاز الحبال الصوتية لهذا الشخص. وينتقل الصوت عبْر الهواء، على شكل موجات، تدعى الموجات الصوتية؛ وبوصولها إلى الأذن البشرية، يمكن سماع الصوت الأصلي المحدث لها.

       يلتقط المِجْهار (الميكروفون) الحديث والأصوات الحية الأخرى، التي تُكوّن البرنامج، أثناء البث الإذاعي؛ ويحوّل موجاتها الصوتية إلى اهتزازات كهربائية، تمثّل تلك الموجات. ثم تضخم الاهتزازات الكهربائية، وتستخدم في المرسل، لإنتاج موجات الإذاعة، التي تكوِّن البث الإذاعي. وتتولّى أجهزة الإرسال، بطريقة مماثلة، تحويل الأصوات المسجلة إلى موجات إذاعة.

4 - من الموجات الكهربائية إلى تلك الإذاعية :

تنتقل الموجات الكهربائية، الممثلة للأصوات، عبْر أسلاك، إلى لوحة التحكم، التي تحتوي على العديد من المفاتيح والمؤشرات؛ فيتحكم فيها أحد الفنيين، بتغيير حدِّة كل صوت، وقد يمزج بعضها ببعض. ثم تنتقل هذه الموجات الكهربائية من لوحة التحكم إلى المرسل.

ثالثاً: الموجات الإذاعية :

1 - إرسال موجات الإذاعة :

يوجد المرسل، في بعض المحطات الإذاعية، في الغرفة نفسها، التي تحتوي على لوحة التحكم، التي تنتقل منها الموجات الكهربائية إليه، عبْر أسلاك. وفي محطات أخرى، يكون المرسل بعيداً، نسبياً، عن المحطة، في مكان قريب من هوائي الإرسال (الجهاز الذي يرسل الموجات الإذاعية عبْر الهواء)، حيث تُرسل إليه الموجات الكهربائية، بوساطة حزمة خاصة من موجات الإذاعة أو عبر أسلاك.
يقوِّي المرسل الموجات الكهربائية، التي تمثّل البثّ؛ وينتج، كذلك، موجات الإذاعة، التي تُسمَّى الموجات الحاملة؛ ثم يضمها، في عملية، تُسمَّى التضمين. والموجة الناتجة، هي الإشارة الإذاعية، التي تحمل البرنامج إلى الجهاز الإذاعي.
يرسل المرسل إشارة الإذاعة إلى الهوائي، الذي يرسلها، بدوره، على الهواء، في شكل موجات إذاعية. ويضع العديد من المحطات هوائياتها على أبراج، في أماكن عالية، أو مكشوفة، بعيدة عن المباني، التي قد تمنع انتشار الموجات. أما المحطات الصغيرة، فتضع هوائياتها في أعلى مبنى المحطة، أو بالقرب منها.

2 - أنواع الموجات المرسلة :

تُبَثّ برامج الإذاعة بطريقتَين، تعتمدان على كيفية ضم الموجة الحاملة وإشارة البرنامج؛ وهما: تضمين الاتساع AM، وتضمين التردد FM. وفي تضمين الاتساع، يتغير اتساع (قوة) الموجة الحاملة، بحسب تغيّرات الموجات الكهربائية، الآتية من الأستوديو. ويستخدم البث بطريقة تضمين الاتساع AM، عادة، نطاقات الموجات، الطويلة والمتوسطة والقصيرة. وفي طريقة تضمين التردد FM، يبقى اتساع الموجة الحاملة ثابتاً؛ ولكن الموجات الكهربائية، الآتية من الأستوديو، تغيّر تردُّد الموجة الحاملة (عدد اهتزازات الموجة، في الثانية الواحدة)؛ والبث بهذه الطريقة، يستخدم موجات أقصر من تلك، المستخدمة في الطريقة الأولى.
يرسل الهوائي نوعَين من موجات الإذاعة: أرضية وسماوية. تنتشر الموجات الأرضية انتشاراً أفقياً، متبعة تعرج سطح الأرض، لمسافة قصيرة نسبياً. بينما تنتشر الموجات السماوية في اتجاه الفضاء، وبوصولها إلى طبقة الغلاف الأيوني، فإنها تنعكس في اتجاه الأرض؛ ما يتيح وصول البثّ الإذاعي إلى أماكن بعيدة جداً عن هوائي الإرسال. ويعكس الغلاف الأيوني موجات الإذاعة المتوسطة، خلال الليل، عكساً أوضح؛ ما يجعل التقاط محطات إذاعية بعيدة، تستخدم هذا المجال الترددي، أوضح في الليل منه أثناء النهار.
وترسل هوائيات الأنظمة، المعتمدة على تقنية تضمين التردد FM، موجات، تسير في الاتجاه نفسه، الخاص بتضمين الاتساع AM؛ إلا أن الموجات المتجهة نحو الفضاء، لا تنعكس إلى الأرض عند وصولها إليه؛ وإنما تتابع انتشارها فيه، عبْر طبقة الغلاف الجوي. أما الموجات أفقية الانتشار، فتسير عبْر ما يُسمَّى بخط النظر؛ ما يعني أنه لا يمكن التقاطها في مكان أبعد من الأفق، الذي يُرى من الهوائي. ويمكن التقاط موجات تضمين الاتساع من مسافات أبعد، نظراً إلى انعكاسها، عند اصطدامها بطبقة الغلاف الأيوني، عائدة إلى الأرض.
وعلى الرغم من أن موجات تضمين التردُّد،هي ذات مدى محدد؛ إلا أنها تتميز بأن إرسالها لا يتأثر بالتشويش، مقارنة بموجات تضمين الاتساع. فمعظم إشارات التشويش، هي إشارات تضمين اتساع؛ بينما هُندِست دوائر استقبال تضمين التردّد هندسة، تجعلها لا تتأثر بتلك الإشارات. ويتصف إرسال تضمين التردد FM، بشدة نقائه، ومحاكاة أصواته الأصوات الطبيعية. ويستخدم إرسال تضمين الاتساع، الموجات متوسطة الطول، التي يراوح نطاق تردداتها بين 525 و1605كيلوهرتز. وبسبب العدد الهائل لمحطات الإرسال، فقد يستخدم كل مرسل حزمة ضيقة، ذات ترددات، تراوح نطاقاتها بين 8 و10 كيلوهرتز. ولا تستطيع مرسلات تضمين الاتساع، بثّ إشارات سمعية عالية النقاء؛ لأنها تحتاج إلى عرض نطاق، لا يقلّ عن 20 ألف كيلوهرتز؛ فضلاً عن أن أيّاً منها، لا تستطيع نقل أصوات، ذات ترددات أعلى من 8 كيلوهرتز.
وتستخدم المرسلات، العاملة بتضمين التردد، نطاقات ترددية واسعة، تراوح تردداتها بين 88 و108 ميجاهرتز. وفي بعض الدول، تبثّ تلك المحطات برامجها، على ترددات، تقع بين 65.8 و72 ميجاهرتز؛ وبذلك، يستطيع كل مرسل تضمين تردُّد، أن يشغِّل نطاقاً ترددياً عريضاً، يكفي لإرسال الطيف الصوتي بكماله، أي الترددات السمعية حتى 20 ألف هرتز؛ ومن ثَم، فإن الأصوات الناجمة، تكون عالية الجودة.
ومنذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، تبنَّى عدد من الدول تقنية، تسمى البثّ السمعي الرقمي. وفي عام 1995، أصبحت هيئة الإذاعة البريطانية، هي أول محطة إذاعية، تقدم الخدمة الإذاعية، باستخدام البثّ السمعي الرقمي. وقد وجهت هذه الخدمة إلى منطقة محدودة، حول لندن، ووصلت إلى 20% فقط من سكان بريطانيا.

وتختلف إشارة البثّ السمعي الرقمي، عن إشارة كلٍّ من تضمين الاتساع وتضمين التردد. ففي البثّ الإذاعي التقليدي، أو القياسي، تحمَّل كل خدمة إذاعية على الترددات الخاصة بها. أما في البثّ السمعي الرقمي، فتستخدم كتلة واحدة من الترددات، تسمى المضاعف، في حمل عدد من الخدمات. وفي المملكة المتحدة، خصصت الحكومة سبعة مضاعفات، على الطيف الإذاعي 217.5 ـ 230 ميجاهرتز، لاستخدام هيئة الإذاعة البريطانية، والمحطات الإذاعية المستقلة، القومية والمحلية. كما اتجه عدد من الدول الأوروبية، كذلك، إلى تخصيص مضاعفات للإرسال بالبث السمعي الرقمي.
ويعمل البثّ السمعي الرقمي بالجمع بين تقنيتَين: الأولى، هي تسجيل الصوت رقمياً (أي في شكل سلسلة من الوحدات والأصفار)، عوضاً عن الإشارة التقليدية؛ ما يتيح استخراجاً دقيقاً للصوت، من دون فقدان جودة النوعية. والثانية، هي ضغط البيانات. وحتى وقت قريب، كان ترقيم الصوت يتطلب نطاقاً واسعاً من الطيف الإذاعي؛ ما جعل البثّ غير عملي. ولكن التقدم التقني، أدى إلى تطوير نظام، يجدد فقط أجزاء الإشارة، التي تعرضت للتغيير بعد إرسالها؛ ما أتاح التخلص من المعلومات غير الضرورية، والذي أدى، بدوره، إلى تقليل كمية المعلومات الرقمية، المطلوبة للبثّ.
ويضمن البثّ السمعي الرقمي، إمكانية الاستقبال الجيد للإشارات المرقمة، في كل المناطق، بما فيها تلك المعرضة للتداخل، مثل أجزاء المدن ذات الأبنية العالية، وأنفاق الطرق والسكك الحديدية. وتستخدم هذه العملية علاقة رياضية دقيقة، لتجزيء الإشارة الرقمية بين 1.356 تردداً حاملاً مختلفاً، في فترات زمنية مختلفة. ويتطلب ترتيب الترددات الحاملة، وتوزيع مكونات الإشارة عليها ـ دقة عالية. ويستطيع جهاز الاستقبال التوليف بين مكونات الإشارة، وتخزين الإشارة الأصلية، في كل الظروف، بما في ذلك تلك التي يتأثر الاستقبال فيها بالتداخل.
ولإشارة الإرسال، بالبثّ السمعي الرقمي، عرض نطاق كلي، قدره 1.356ميجاهرتز، مما يوفر سعة، قدرها 1.5 ميجابيت، لكل ثانية (البيت وحدة، تمثّل الرقم الثنائي، وتساوي فيه 1 أو صفراً). ويتكون مضاعف البثّ السمعي الرقمي، من مليونين و300 ألف بيت، تستخدم في حمل أصوات وبيانات وتكافؤ مبني داخلياً، أو نظام لتصحيح أخطاء الإرسال؛ مما يتيح مرونة عالية في الإرسال. ويمكن زيادة السعة، لإعطاء نوعية صوت جيدة، لقطعة موسيقية، على سبيل المثال. وعوضاً عن ذلك، قد تستخدم البيتات في الحصول على خدمات إضافية، مثل البثّ الحي لمادة إخبارية، أو حدث رياضي، من دون الإخلال بالبرمجة العادية. ويجري، الآن، تطوير البثّ السمعي الرقمي، لاستخدامه في تطبيقات أخرى، مثل نظُم توجيه السيارات، والأجهزة الإذاعية الموصلة بالحواسيب، وعرض الخرائط والصور. وللبثّ السمعي الرقمي عدد من الامتيازات، مقارناً بالبثّ بتضمين التردد، وتضمين الاتساع. وأهم هذه الامتيازات، هو نقاء الصوت، مقارناً بالفرق بين التسجيلات الطويلة الأمد، والأقراص المدمجة. وكما أن البثّ بتضمين التردد، هو أوضح؛ لأنه أقلّ عرضة للتداخل، مقارناً بالبثّ بتضمين الاتساع، فإن البثّ السمعي الرقمي، كذلك، أكثر وضوحاً، للسبب نفسه. ويعوق ارتداد الإشارات، الآتية من المرسلات، عن الأجسام الصلبة، مثل الأبنية والأشجار والجبال ـ استقبال تضمين التردد؛ ولكن نظام البثّ السمعي الرقمي، يستطيع استقبال مثل هذه الإشارات المعكوسة، بوضوح.
ومن ميزات البثّ السمعي الرقمي، كذلك، أنه يتطلب شبكة تردُّد واحدة، لتوفير تغطية واسعة؛ بينما يتطلب البثّ بتضمين التردد، جزءاً كبيراً من طيف البثّ. ويعني استخدام التردد الواحد، أن أجهزة الراديو لا تحتاج إلى إعادة توليف، عند الانتقال من محطة إلى أخرى، والتي تحدث، عادة، في حالة تضمين التردد.
بدأ عدد من الدول الأوروبية مشروعات البثّ السمعي الرقمي، في تسعينيات القرن العشرين، حين أجريت أولى التجارب، في استوكهولم، في السويد، في مارس 1992. وفي كندا، بدأ أول تشغيل تجاري للبثّ السمعي الرقمي، عام 1996، كما تقرر أن يكتمل إدخال هذا النظام، في معظم الدول الأوروبية، عام 1997. وتجرى التجارب على ذلك البثّ، كذلك، في الصين وأستراليا وكوريا الجنوبية. وبحسب التقديرات، سيتمكن نحو 80% من سكان أوروبا، من استقبال البثّ السمعي الرقمي، بحلول عام 2000.
وأهم عيوب البث السمعي الرقمي، هو أن المرسلات الحالية، ستتطلب إعادة تركيب، لمواكبته؛ وأن أجهزة الراديو الحالية، لن يكون في مقدورها استقباله. وفي منتصف تسعينيات القرن العشرين، بدأت الشركات الكبرى، في أوروبا واليابان، إنتاج راديوهات، يمكنها استقبال البثّ السمعي الرقمي.

3 - قدرة الإرسال وتردُّده :

يتأثر مدى انتشار البثّ الإذاعي بقدرة المرسل. وتمتلك محطات تضمين الاتساع القوية، قدرة، تعادل 50 ألف واط؛ ما يُمكِّن من التقاطها، على مسافات بعيدة جداً، وبخاصة أثناء الليل، حينما تكون الموجات السماوية فاعلة؛ فيمكن الاستماع، مثلاً، إلى المحطات البالغة قدرتها 50 ألف واط، على مسافة، تصل إلى 1600كم، أثناء الليل. وهناك بعض محطات تضمين الاتساع، البالغة قدرتها منخفضة (250 واط)، مخصصة لخدمة بلدة أو بلدتَين صغيرتَين. وتراوح قدرة محطات تضمين التردد، بين 100 و100 ألف واط، تصل إلى مسافة، تراوح بين 25 و100كم. أما المحطات غير التجارية منها، فقدرتها منخفضة، تقارب 10 واط، ولا تتعدى مسافتها بضعة كيلومترات.
وتبثّ كل إذاعة على قناة، أو تردد مخصص لها، مما يقلل من تداخل الإذاعات. ويقاس التردد بوحدة، تُدْعى الهرتز، تمثل عدد الاهتزازات، في الثانية الواحدة. ويعادل الكيلوهرتز ألف هرتز، بينما يعادل الميجاهرتز مليون هرتز. وتبثّ محطات تضمين الاتساع على ترددات، تراوح بين 525 و1605 كيلوهرتز (موجات متوسطة). وفي أوروبا، يراوح هذا النطاق بين 150 و285 كيلوهرتز (موجات طويلة). وهناك العديد من المحطات، التي ترسل بثّها في نطاق الموجات القصيرة، وبترددات، تراوح بين 1.5 و30 ميجاهرتز.
وينتقل البرنامج المنقول بموجات الإذاعة، بسرعة الضوء، أي 792 299كم/ث؛ بينما تنتقل الموجات الصوتية نفسها، في الهواء، بسرعة 300م/ث. ويؤدي التفاوت، في سرعتَيهما، إلى مفارقات غريبة؛ فالمستمعون للإذاعة، في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، يمكنهم سماع مقطوعة موسيقية، تُبَثّ، مباشرة، من قاعة على ساحلها الشرقي، قبْل المشاهدين، الموجودين في الصف الأخير من القاعة.

4 - كيف تُسْتَقبل البرامج الإذاعية :

تزوَّد أجهزة الاستقبال بما يمكّنها من التقاط البثّ بإحدى طريقتَين: تضمين الاتساع أو تضمين التردد، أو بكلتيهما معاً؛ ما يتيح للمستمع أن يحرك مؤشر الجهاز، لاختيار أيٍّ منهما. وتوفر أجهزة الاستقبال متعددة النطاقات، إمكانية استقبال نطاقات أخرى، مثل الموجات القصيرة، والاتصالات الجوية والبحرية.
وتعمل أجهزة المذياع بالقدرة الكهربائية المنزلية، أو بالبطاريات الجافة؛ إضافة إلى نوع ثالث، شاع في بدايات البثّ الإذاعي، ويُسمَّى الإذاعة البلورية، ويعمل بوساطة قدرة الموجات الإذاعية الملتقطة.
ويتكون الجهاز الإذاعي، العامل بالقدرة الكهربائية، من أربعة جزاء رئيسية: الهوائي، الموالف، المضخمات،الهوائي.

أ. الهوائي :

قضيب، أو سلك فلزي، يلتقط موجات البثّ الإذاعي، ويمررها إلى الجهاز. وقد يكون كلّه داخل الجهاز؛ أو يكون جزءٌ منه داخله والجزء الآخر خارجه، كما هو حال جهاز السيارة. ويتكون الهوائي، في معظم مستقبلات الموجات، الطويلة والمتوسطة، من ملف موضوع حول قضيب من أداة مغناطيسية، تسمى الفريت.
وعند صَدْم موجة إذاعية الهوائي، تولد تيارات كهربائية ضعيفة جداً. وبسبب استقبال الهوائي للعديد من المحطات، في وقت واحد، يجب على المستمع أن يولف المستقبل على محطة معينة.

ب . الموالف :

هو الجزء الذي يمكّن الجهاز، من تحسس ترددات معينة. ويوضح ناخب متصل بالموالف، ترددات، أو قنوات المحطات المولفة فيه؛ فلتوليف الجهاز، للاستماع إلى محطة الإذاعة البريطانية، مثلاً، التي تبثّ على تردُّد، قدره 684 كيلوهرتز، يجب اختيار الرقم 684 على مجال الموالف.
ويسمى قلب الموالف أو مؤشر الاختيار المكثف المتغير، ويتكون من مجموعتَين متداخلتَين، من ألواح شبه دائرية، إحداهما ثابتة، بينما تتحرك الأخرى، عند تحريك مفتاح التوليف. وينتج هذا التحرك تغييرات في دوائر جهاز المذياع، تجعله حساساً إزاء الترددات المختلفة.

ج . المضخمات :
وهي تضخم إشارة البرامج، المستقبلة بوساطة الموالف. والمضخمات في المذياع العادي، أجزاء من دائرة، تسمى الدائرة المغايرة الفوقية. وأهم أجزاء تلك الدائرة، الآن، هي الترانزستورات والدوائر المتكاملة. وكان معظم الأجهزة الإذاعية، المصممة قبل عام 1960، تستخدم صمامات، تسمى الصمامات المفرغة.
وتتكون الدائرة المغايرة الفوقية، من أربعة أجزاء رئيسية، هي: المحول، مضخم التردد المتوسط IF، الكاشف، مضخم التردد السمعي AF. ويتولى المحوّل، أولاً، تحويل إشارات البثّ المستقبلة الضعيفة، إلى إشارة ذات تردُّد أقلّ، يسمى التردد المتوسط. ثم تضخَّم الإشارة، بتمريرها ضمن مرحلة تضخيم التردد المتوسط، المكونة من مضخم واحد، أو عدة مضخمات IF. وتمر الإشارات، بعد ذلك، عبْر دائرة الكاشف، الذي يحذف الموجة الحاملة، مبقياً على التردد السمعي، الذي يمثل البرنامج المذاع. وأخيراً، يعمل مضخم التردد السمعي على تضخيم الإشارة، ثم يرسلها إلى المِجْهار.

د . المِجْهار (مكبر الصوت) :

يحوّل المجهار الإشارة الكهربائية إلى شكلها الأصلي، أي الترددات السمعية. ويتكون من جزءَين أساسيَّين، هما: المغناطيس الدائم؛ وملف من الأسلاك، يسمى ملف الصوت، يرتبط ببوق، يصنع من الورق المقوى. وتمر الإشارة السمعية، الآتية من المضخم الأخير، خلال الملف وتمغنطه، فيتحرك في مجال المغناطيس الدائم؛ ما يجعل البوق يهتز، نتيجة تواتر الإشارة الصوتية، المارة في الملف، فيولّد اهتزازه موجات صوتية، تشبه تلك التي بُثَّت من خلال المجهار، منتجاً الصوت الأصلي.

5 - مستقبلات الصوت المجسّم (الستريو) :

يستطيع هذا النوع من المستقبلات، استقبال البرامج، المذاعة بطريقة الصوت المجسم، التي يحتاج تحققها إلى ثلاثة مجاهير أو أكثر، تجعل الأصوات تبدو للمستمع، وكأنه في مسرح أو قاعة كبيرة، تذاع فيها الموسيقى. ومثل أُذَني الإنسان، "تميز" المجاهير بين الأصوات، الصادرة عن الأماكن المختلفة من المسرح؛ وتستخدم تقنية، تدعى التجميع، لإرسال الصوت المجسم، باستخدام مرسل واحد. ويحتوي المستقبل على مجهارَين، على الأقل: أحدهما، خاص بالأصوات المنبعثة من جهة اليمين؛ والآخر، خاص بالأصوات الآتية من جهة اليسار. ولضمان جودة الصوت، يوضع المجهاران خارج المذياع، على مسافة محددة منه؛ ما يتيح للمستمع التحكم في مكانَيهما، حتى يحصل على نسخة مطابقة للصوت الأصلي.

6 - إذاعة الموجات القصيرة :

يعمل العديد من محطات البثّ الإذاعي، ضمن نطاق الموجات القصيرة، التي تراوح تردداتها بين 1.5 و30 ميجاهرتز. ويحدِّد طول الموجة المجالات الترددية للبثّ الإذاعي؛ فيسمَّى، مثلاً، نطاق التردد 17.7 ـ 17.9 ميجاهرتز، النطاق 16م. والنطاقات الأخرى، التي تستخدم الموجات القصيرة في البثّ هي النطاقات 11، 13، 19، 25، 31، 41، 49م. وفي المناطق المدارية، تستخدم النطاقات 60، 75، 90، 120م في البث الإذاعي؛ بينما تخصص الترددات الباقية لهواة الإذاعة، وأنظمة الاتصالات العسكرية، والملاحة البحرية والفضائية، وخدمات التلكس. بسبب الانعكاس، الذي يحدُث في طبقة الغلاف الأيوني (طبقة في الجو، تعكس الموجات الإذاعية)، يمكن الترددات القصيرة الانتقال إلى مسافات بعيدة؛ بل يمكن القول إنها هي الطريقة الوحيدة للاتصالات، في الأماكن غير المأهولة بالسكان، من الكرة الأرضية.

7 - البثّ بالموجات القصيرة :

يشغل أكثر من ثمانين بلداً في العالم، محطات بثّ إذاعي، تعمل على الترددات القصيرة. وتختلف برامجها عن تلك التي تبثّها المحطات المخصصة للمستمعين المحليين؛ إذ توجَّه الأولى إلى مستمعين بعيدين جداً؛ وتكون برامجها بلغة البلد الوطنية، خدمة لمواطنيه، الذين يعيشون خارجه، أو يعملون على متن السفن التجارية.
وتوجَّه البرامج، التي تستخدم لغات أخرى، إلى أقطار معينة. فهيئة الإذاعة البريطانية، مثلاً، لا تقتصر على البثّ باللغة الإنجليزية، بل تتعدّاها إلى لغات أخرى، كالروسية، والعربية، والفرنسية، والألمانية.
ويبثّ معظم محطات الموجات القصيرة، على العديد من الترددات، والعديد من النطاقات الترددية، في وقت واحد؛ لكي تضمن استقبالاً مؤكداً لمستمعيها، في أنحاء العالم كافة؛ فيستطيع المستمع في أوروبا، على سبيل المثال، التقاط محطة أمريكية قصيرة الموجة التقاطاً واضحاً، صباحاً، على النطاق 19م، ومساءً على النطاق 31م.
وتتكون برامج الموجات القصيرة، من الأخبار، العالمية والوطنية، والتعليقات والمقابلات والبرامج الثقافية، والمنوعات الأخرى. كما تشمل، في بعض الأحيان، الأغراض التعليمية، مثل تعليم اللغة الإنجليزية. لا تبثّ محطة الموجات القصيرة كثيراً من البرامج الموسيقية؛ نظراً إلى تأثّر الاستقبال بالتداخلات والظروف الجوية، ما يفقده نقاءه.
وتُستخدم الموجات القصيرة، كذلك، في أغراض الدعاية السياسية؛ ومصداق ذلك، ما حدث خلال فترة الحرب الباردة، حين عمد بعض الحكومات، في أوروبا الشرقية، بخاصة الدول التي تسيطر على إذاعاتها إلى التشويش على الدول الغربية.

8 - مستقبلات الموجات القصيرة :

للعديد من أجهزة الاستقبال نطاق واحد، أو عدة نطاقات، من الموجات القصيرة؛ إضافة إلى نطاق تضمين التردد ،ونطاق الموجة المتوسطة لتضمين الاتساع. ولأن الموجات، العاملة في نطاقات الموجات القصيرة، هي مكتظة، فإن عملية الموالفة، لاستقبال تردُّد معين، تكون صعبة جداً؛ إذ تكون ترددات الموجات القصيرة متقاربة تقارباً، يجعل الفاصل بين تردد وآخر 5 كيلوهرتز فقط؛ ما يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى سماع محطتَين، في آن واحد. وللتغلب على ذلك، تُهندَس مستقبلات للموجات القصيرة، تدعى بالمستقبلات الاتصالية، ذات حساسية أعلى، تمكِّن المستمع من انتقاء محطات ضعيفة، متجاورة على مفتاح الانتخاب.
ويمكّن بعض أجهزة الاستقبال المتطورة، المستمع، من التحكم في الاختيار، أو في عرض النطاق؛ فزيادة عرض النطاق، تُحسِّن استقبال الصوت، إلا أنها تجعل الفصل بين محطة وأخرى، أكثر صعوبة. وتشمل مستقبلات الموجات القصيرة، على جهاز لضبط الموالفة الدقيقة (وهو قابض، يسمح بالموالفة، على مدى تردُّد ضيق)، يسمح بموالفة أكثر سهولة لمحطات البثّ. ويُزوَّد بعض مستقبلات الموجات القصيرة، بمقياس شدة الإشارة، أو مؤشر الموالفة؛ وبدائرة، تبدِّد، أو تقلّل من التشويش الناتج من التداخل.
وتستخدم مستقبلات الموجات القصيرة سلكاً، أو هوائياً، على هيئة قضيب، يوضع خارج الجهاز، حيث لا تستطيع هوائيات الفريت، الموضوعة داخل مستقبلات الموجات، الطويلة والمتوسطة ـ التقاط البثّ بالموجات القصيرة.
وثمة مستقبلات، ذات قدرة على الموالفة بشكل رقمي. وتزوَّد هذه الأجهزة، آلياً، بلوحة إدخال رقمية، شبيهة بتلك الخاصة بأجهزة الهاتف، ذات المفاتيح المرقمة؛ وما على المستمع، إلا إدخال رقم، يمثّل التردد المراد الاستماع إليه، فيظهر هذا الرقم على شاشة إظهار صغيرة، مصنوعة من بلور سائل. ويمكن تخزين عدد من الترددات، في ذاكرة جهاز الاستقبال، يمكن استدعاء أيٍّ منها، بالضغط على رقم؛ ففي إمكانك، على سبيل المثال، تخزين الترددات، في نطاق ترددات مختلفة للمحطة نفسها، واختيار نطاق الموجة الأفضل استقبالاً لتلك المحطة.
ويعتمد استقبال الموجات القصيرة، على عدة عوامل، تتعلق بالغلاف الأيوني. فالموجات الطويلة، تنعكس انعكاساً أفضل، أثناء الليل؛ بينما تنتقل الموجات الأقصر (10 ـ20م) إلى مسافات أبعد، خلال النهار. ويفسر ذلك قدرة على استقبال المحطات البعيدة، خلال أوقات محددة من اليوم.
يؤدي النشاط الشمسي دوراً مهماً، في الاستقبال بعيد المدى. فخلال فترة الأنشطة الشمسية العظمى، يعكس الغلاف الأيوني الموجات بشكل أفضل، ويزداد عدد المحطات البعيدة، الممكن استقبالها. ولكن العواصف المغناطيسية، الناجمة عن الوهج الشمسي، تؤثّر في ذلك، فيجب، أحياناً، استقبال الموجات القصيرة كلياً.

9 - خدمات البث الإذاعي :

يؤدي البثّ الإذاعي دوراً مهماً، في تهيئة فرص العمل، لآلاف العاملين في محطات البثّ، في كافة أرجاء العالم. فالمحطات الإذاعية وشبكاتها، تحتاج إلى مخططي برامج ومذيعين ومحررين وإخباريين وفنيين وعمال صيانة؛ كما تحتاج إلى كتّاب نصوص؛ إضافة إلى مسوّقي الإعلانات التجارية، الذين ينظمون الأعمال التجارية، مثل المحاسبة والعلاقات العامة، وغيرها.
ويتخصص موظفو المحطات الكبيرة، أو الشبكات، عادة، في أحد المجالات الأربعة التالية: البرمجة، الهندسة، المبيعات، الإدارة العامة. وتساعد الإعلانات التجارية على تسويق العديد من المنتجات، بدءاً من الغذاء وانتهاء بالسيارات. وتحصل الأغاني المذاعة والموسيقى، على شعبية كبيرة، تؤثّر في مبيعات تسجيلاتها تأثيراً فاعلاً. ويباع الملايين من أجهزة المذياع في أنحاء العالم، كل عام.

10 - المحطات والشبكات :

المحطات الإذاعية نوعان: إذاعة الخدمة العامة، وتموّلها الحكومة؛ ولكنها قد تتلقى إعلانات، كذلك. والإذاعة التجارية، وتمتلكها الشركات الخاصة، التي تحقق الأرباح من الإعلانات. وتموّل بعض الدول، كذلك، محطات إذاعية غير ربحية، توجَّه، عادة، إلى الأقليات، أو ذوي الاهتمامات الخاصة. ويختلف تنظيم البثّ الإذاعي، من بلد إلى آخر. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أكثر من 10 آلاف محطة تجارية، ذات ملكية خاصة. كما يوجد في أستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا، وأغلب الدول الأوروبية، محطات، تجارية وغير تجارية. ولا يوجد في بعض الدول، مثل الهند وماليزيا، محطات تجارية.
يتخذ النظام الإذاعي، في أستراليا، ثلاثة أُطُر: المحطات الوطنية، التي تموّلها الحكومة الفيدرالية؛ والمحطات العامة، التي تموّلها شركات ذات طابع غير تجاري؛ والمحطات التجارية. ويفوق عدد المحطات التجارية 130 محطة؛ وعدد المحطات العامة 32 محطة، إضافة إلى خدمة البثّ الخاصة، التي تشغل العديد من المحطات، الخاصة بالجنسيات والأعراق المختلفة، وتقدم خدماتها بنحو 45 لغة.
وهيئة الإذاعة البريطانية، هي المنظمة الإذاعية القومية الرئيسية، في بريطانيا. وهي غير تجارية. ولها خمس محطات قومية؛ إضافة إلى المحطات الإقليمية، مثل إذاعة السايمرو، الخاصة بمنطقة ويلز؛ وأكثر من 50 محطة محلية. وهذه المحطات، يمكن أن تُوصل بالمحطة القومية، بوساطة شبكات؛ فيصبح في الإمكان بثّ البرامج القومية من محطات محلية. ويوجد في بريطانيا أكثر من 180 محطة تجارية، قومية ومحلية.
والاستماع إلى الإذاعة في معظم أنحاء آسيا وأفريقيا، يختلف في أمريكا وأوروبا وأستراليا. ففي الهند، على سبيل المثال، حيث الإذاعة وسيلة مهمة، في مجالات متعددة، مثل التعليم، وتعرّف أساليب الزراعة المتطور ـ كثير من المواطنين، لا يمتلكون أجهزة مذياع؛ وإنما يستعيضون عنها بالاستماع إلى الإذاعات، في الأماكن العامة. وتبثّ إذاعة كل الهند بستين لغة ولهجة.
وتضمِّن محطات الإذاعة التجارية برامجها الإعلانات التجارية، الخاصة بالمعلنين، الذين يودون الوصول بمنتجاتهم إلى أكبر عدد من المستمعين، الذين كلما ازدادت أعدادهم، ازدادت رسوم الإعلانات. ويعقد بعض المحطات التجارية، اتفاقيات عمل مع الشبكات الوطنية، أو شبكات الخدمة على المستوى القومي، التي تقدِّم إليها بعض البرامج المحلية، مثل نشرات الأخبار.
وتكتسب محطات البثّ دوراً شديد الأهمية، في المجتمعات المحلية، حيث تعلن، مثلاً، مواعيد المناسبات والأحداث، ذات الصفة الخاصة؛ كما تفتح المجال أمام المستمعين، لمناقشة البرامج، من خلال الاتصال الهاتفي المباشر. ويمكن المستمعين، في المناطق الحضرية، متابعة النشرات، الخاصة بحركة السير وتغييرات نظام المرور.

11 - التنظيم الحكومي للبثّ الإذاعي :

تنظم الدولة استخدام موجات الإذاعة، بعدة وسائل، ولعدة أسباب، مثل وضع نظام لمستخدمي القنوات الإذاعية؛ ولولا ذلك لتداخلت الإشارات الإذاعية، فحالت دون وضوح الاتصال المطلوب. وينظم العديد من الحكومات استخدام موجات البثّ الإذاعي، لأسباب أخرى؛ فبعضها تستخدم الإذاعة في الترويج لأفكارها وسياساتها، والحيلولة دون بثّ الأفكار المعارضة.
وهيئة الإذاعة البريطانية هيئة غير تجارية، تُموّل من طريق الرسوم المحصلة من مالكي أجهزة التليفزيون. وتعين هيئة البثّ المستقلة (الهيئة الإذاعية المستقلة) الشركات التي تشغل المحطات التجارية، وتشرف على البرامج؛ إضافة إلى مراقبة الإعلانات. وتراقب البرامج الهيئة الخاصة بالمواصفات والمعايير، التي تنظر، كذلك، في شكاوى المستمعين من إذاعة برامج العنف والجنس، مثلاً.
وهيئة الإذاعة الأيرلندية مسؤولة عن البثّ الإذاعي، في جمهورية أيرلندا، حيث تحصل على دخْل، من إعطاء التراخيص والإعلانات. وتُعيّن الحكومة تسعة أعضاء في الهيئة، من بينهم المدير العام.
وتدار الإذاعة الوطنية في أستراليا، بوساطة هيئة الإذاعة الأسترالية. وتمنح الإذاعة تراخيص بثّ جديدة لمحطات، عامة وتجارية؛ وكذلك، تجدد التراخيص القديمة، وتراقب البرامج الإذاعية. وهيئة الإذاعة في نيوزيلندا، هيئة عامة، تتحكم في إدارة كل من الشبكات، التجارية وغير التجارية.
وتبثّ هيئة إذاعة جنوب إفريقيا أكثر من 20 خدمة إذاعية، خمس منها على المستوى القومي. ويعين رئيس الدولة أعضاء الهيئة. بينما يتولى إدارة العمال اليومية، المدير العام، ولجنة الإدارة.
وتتحكم حكومات العديد من الدول في البثّ الإذاعي. بيد أن بعض الدول، تمنح محطات الإذاعة الحريات نفسها، التي تمنحها مواطنيها. ويسمح معظم الدول الديموقراطية بحُرية كبيرة في البثّ؛ بينما تضع الحكومات الشمولية قواعد صارمة على البثّ الإذاعي، لأغراض سياسية، بل استخدم بعضها، خلال التاريخ المعاصر، الإذاعة كوسيلة سياسية. ففي عام 1930، وضعت الإذاعة الألمانية، في خدمة البثّ الدعائي، لزيادة شعبية القائد النازي، أدولف هتلر. واستخدمت، بالطريقة نفسها، من قِبَل الحكومات الشيوعية، لتقديم نظرة غير موضوعية إلى ما يجري في العالم. فالإذاعات في تلك الدول، لم تكن حرة في أن تخطط وتقدم البرامج الإذاعية؛ لكنها بدأت تحظى بدرجة من الحرية، خاصة بعد الإصلاحات الديموقراطية، التي شهدتها في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن العشرين.

رابعاً: استخدامات الراديو :

يحتل البثّ الإذاعي الجزء الأكبر من الاتصالات، التي تُجرى من طريق الراديو، مما يتيح للمستمعين استقبال برامجه المتنوعة الأغراض، والهادفة إلى المتعة والمعرفة. كما تُستخدم موجات الإذاعة في العديد من التطبيقات الأخرى، مثل الاتصالات ذات الاتجاهَين التي يجري فيها إرسال الرسائل واستقبالها. وفي البثّ الإذاعي، ومعظم الاتصالات ذات الاتجاهين، تَنقل الموجات الإذاعية الصوت والموسيقى؛ ولكنها تنقل، في الأنواع الأخرى من الاستخدامات، إشارات أخرى، مثل الحزم الإذاعية، المستخدمة في أنظمة الملاحة، وإشارات التحكم عن بعد.

1 - البثّ الإذاعي :

ينشأ البثّ الإذاعي عن محطات البثّ. وتوجد محطة بثّ إذاعي واحدة، على الأقل، في كل بلد من بلدان العالم. وفي بعض الدول العربية، لم يقتصر البث الإذاعي على العواصم العربية، بل تعداها إلى المدن الرئيسية الأخرى. ويفوق العدد الكلي لمحطات البث الإذاعي، في العالم، 25 ألف محطة، منها نحو 10 آلاف محطة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وهو عدد لا يوجد مثله في دولة أخرى.

2 - مدى البثّ الإذاعي :

يمتلك الناس، في العالم، أكثر من بليوني مذياع، بمتوسط جهاز واحد لكل ثلاثة أشخاص. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، 534 مليون جهاز، وهو أكبر عدد من الأجهزة في قطر واحد. وفي الصين نحو 219 مليون جهاز، أي بمعدل 18 جهازاً لكل مائة مواطن. أما في بريطانيا، فيبلغ عدد أجهزة الراديو 66 مليوناً، أي بمعدل 114 جهازاً لكل مائة نسمة.
والسبب الرئيسي لانتشار الأجهزة الإذاعية الواسع، يرجع إلى كونها محمولة، ويمكن نقْلها من مكان إلى آخر، في سهولة. وبعضها كبيرة، تعمل بالكهرباء، وهي تُحفظ، عادة، في المنازل، حيث تتاح الكهرباء. ولكن ملايين الأجهزة صغيرة الحجم، وتشغل بالبطاريات الجافة. وبعضها يمكن حملها في الجيوب، ويمكن استعمالها في أي مكان تقريباً، مثل المنازل والحدائق والشواطئ والرحلات وأماكن النزهة. كما تستخدم أجهزة المذياع على نطاق واسع، في وسائل النقل، متيحة الاستماع إليها، في أي وقت.
وتُعَدّ الأجهزة المحمولة وسيلة ملائمة، للبلدان أو المناطق، التي تتوافر فيها الطاقة الكهربائية. ولكن العديد من المناطق، تفتقر إلى الكهرباء؛ كما أن استخدام الأجهزة العاملة بالبطارية محدود، في العديد من الدول، وذلك لصعوبة الحصول على البطاريات، أو لغلاء ثمنها.
وفي عام 1995، صمم المخترع البريطاني، تريفور بيليس، مراعياً العوامل الآنف ذكرها ـ جهازاً إذاعياً يعمل آلياً، لمساعدة المجتمعات الإفريقية البعيدة، على استقبال نشرات برامج مكافحة الإيدز الإذاعية. ويفيد من هذا الجهاز، كذلك، القاطنون في الأماكن البعيدة؛ إذ يمكّنهم التقاط أحدث المعلومات، عن الفيضانات والمجاعات والأوبئة.
وقد هُندست الأجهزة الآلية، أساساً، لتباع إلى وكالات الإغاثة، لاستخدامها في توزيع المواد في الدول النامية؛ ولكنها تباع، الآن، كذلك، في الدول الصناعية. ويزن الجهاز الآلي 2.6كجم؛ ويمده بالقدرة مولد داخلي صغير، يدار بنابض ملتو، طوله نحو 9 أمتار، ينتج، عندما يكون ملفوفاً كله، 30 دقيقة من التشغيل. ويلقى الجهاز قبولاً، لأنه لا يعمل بالكهرباء أو البطاريات.

3 - أنواع البرامج الإذاعية :

تختلف البرامج الإذاعية، من بلد إلى آخر، ولكنها، تتفق في توفير التسلية والمعرفة. ويراعي العديد من البلدان، أن تكوّن برامج المنوعات نسبة 90% منها؛ أما الباقي فيخصَّص للمواد الثقافية بكل وجوهها. وتحظى البرامج الدينية، في الإذاعات العربية، بنسبة كبيرة من برامجها المختلفة؛ وهي تتضمن تلاوة القرآن الكريم وتفسيره، وشؤوناً إسلامية متنوعة. وتمثّل الإعلانات جزءاً من البرامج المذاعة؛ إذ تُبَثّ في خلالها، أو خارج أوقاتها، في المحطات التجارية. أما المحطات غير التجارية، مثل هيئة الإذاعة البريطانية، فلا تبثّ أي نوع من الإعلانات، عدا تلك التي تنوّه ببرامجها.
ويحاول معظم الإذاعات اجتذاب المستمعين، بوساطة برامج، تهمّ ذوي الأهواء المختلفة، كالموسيقى الصاخبة، مثلاً، للمراهقين، والأخبار العلمية للمثقفين.

وتَشِيع الموسيقى المسجلة، في برامج التسلية والترويح والمنوعات. ومعظم الإذاعات المتخصصة بها، تذيع نوعاً معيناً منها، مثل موسيقى البوب، أو الموسيقى الهادئة، أو موسيقى الجاز، أو الموسيقى الشعبية. كما يذيع بعض المحطات الأخرى، أنواعاً مختلفة من الموسيقى، من دون أن تختص بها.
ويسهم المذيعون، الذين يقدمون الموسيقى، ويعلقون عليها، في اجتذاب المستمعين. ولذلك، فإن معظم المحطات الإذاعية، تسعى إلى توظيف مُعلقين متميزين، ذوي أساليب شيقة.
ولا تقتصر البرامج المسلية على الموسيقى، بل تتعداها إلى الفكاهة، والتمثيليات ذات الحلقات، والمسرحيات التي تنقل نقلاً مباشراً، أو المسجَّلة؛ وبعض التمثيليات، تكتب للبث الإذاعي فقط.
وتقدم البرامج الخاصة بالمعلومات، الأخبار والأحداث العالمية، والمقابلات الإذاعية؛ وتنقل المباريات الرياضية نقلاً مباشراً.
وتُبَثّ نشرات الأخبار في أوقات محددة، بمعدل ساعة، أو نصف ساعة في بعض المحطات. كما تقدم المحطات الإذاعية تغطيات مباشرة للأحداث الخاصة، مثل الانتخابات العامة، أو افتتاح المجالس التشريعية. وتعنى المحطات بنشرات الأحوال الجوية، وحركة المرور، وسوق البورصة، وأخبار الزراعة. ويهتم جزء آخر من البرامج بأحداث المجتمع، وأنشطة السكان، وخدمات الدولة. ويوجد عدد قليل من الإذاعات، التي تختص بتقديم الأخبار فقط. وفي بعض الدول، تنقل المحطات الإذاعية جلسات المجالس التشريعية نقلاً مباشراً.
أما المقابلات الإذاعية، فتقدم مناقشات حول موضوعات متعددة، تغطي النواحي المختلفة للحياة. وكل برنامج من هذا النوع، يقدِّمه مذيع أو مذيعة، تدير المقابلة، وتَحْكُمها. وتتفاوت موضوعات هذه المقابلات، بين الموضوعات السياسية الجارية، مثل معالجة الانتخابات، وقضايا الدولة التي تهم المواطنين؛ والموضوعات الاجتماعية، مثل الجريمة، أو التلوث، أو الفقر، أو العنصرية، أو التمييز بين الجنسَين. ويُتاح للمستمعين المشاركة، في العديد منها في النقاش، عبْر هواتف الإذاعة، بطرح أسئلتهم، أو إبداء وجهات نظرهم.
وتحظى البرامج الرياضية، مثل نظيرتها الإخبارية، باهتمام خاص؛ إذ يحاول المعلّقون الرياضيون نقْل الأحداث الرياضية المميزة، ولا سيما مباريات كرة القدم وكرة المضرب والكريكت، فتنقلها نقلاً مباشراً؛ وهو ما يسمَّى التعليقات، أو على الأقل تنقل نتائجها للمستمعين.
وتتنافس المحطات الإذاعية في اجتذاب المستمعين، فيذيع معظمها برامج، تحقق رغبات فئة معينة منهم؛ كالمحطات التي تبثّ موسيقى البوب، مثلاً، والتي تحاول اجتذاب المراهقين وصغار السن.

4 - الاتصالات ذات الاتجاهَين :

يلقى هذا النوع من الاتصالات إقبالاً متزايداً؛ لأنه يوفر سرعة الاتصال بين مكان وآخر، كلما دعت الحاجة إلى ذلك. وهو يستخدم في مجالات: السلامة العامة، الصناعة، الأمن القومي، الاتصالات الخاصة.

أ . في السلامة العامة :

يستخدم رجال الشرطة موجات الإذاعة لمنع الجريمة، وللقبض على الخارجين على القانون. كما يستخدمها رجال الإطفاء، لإخماد الحرائق ومنع انتشارها؛ إذ تزوَّد سياراتهم بأجهزة اتصال صغيرة الحجم، ومحمولة، تدعى المتحدث السيار (ووكي ـ توكي)، تمكنهم من الاتصال بمقارّ قياداتهم، لتلقّي تعليماتهم؛ إضافة إلى الاتصال فيما بينهم. وتزوَّد الطائرات والسفن بأجهزة اتصال، لتنظيم عملها، وتسهيل عمليات الإنقاذ.
وتستخدم فِرق إسعاف خاصة الموجات الإذاعية، للمساعدة على إنقاذ الأرواح، بعد وصولها إلى منطقة الحادث؛ فينقل المسعفون، عبْر أجهزة اتصال موجودة في سياراتهم، حالة المرضى إلى الأطباء، الموجودين في المستشفيات، لاستفتائهم في الإسعافات الأولية الملائمة.

ب . في الصناعة :

أصبحت الاتصالات ذات الاتجاهَين وسيلة، لا بدّ منها في وسائل النقل، من سيارات الأجرة إلى الطائرات؛ إذ يتلقى سائقو سيارات الأجرة، التعليمات حول أماكن وجود الركاب؛ بينما يتلقى طيارو الطائرات تعليمات الهبوط أو الإقلاع، بوساطة أجهزة تعمل بموجات الإذاعة. كما تزوّد وسائل النقل الأخرى، مثل السفن والقطارات والشاحنات، بأجهزة اتصال مماثلة.
ويوفر استخدام الإذاعة الجهد والوقت والمال، في العديد من المرافق الصناعية. فعمال البناء، يستخدمون أجهزة الاتصال، لمخاطبة زملائهم، الذين يعملون في الأبنية العالية، كناطحات السحاب. ويتلقى الفلاحون، والعاملون في الغابات، المعلومات التي يحتاجون إليها، عبْر أجهزتهم.

ج . في الأمن القومي :

تؤدي الأجهزة الإذاعية دوراً مهماً، في ربط وحدات الدفاع، الموجودة في أماكن متعددة، بعضها ببعض. وتعتمد وسائل الدفاع المسلحة، بكل فروعها، على أجهزة الاتصال الإذاعية، ذات الاتجاهَين، اعتماداً متزايداً، ليتمكن رجالها من تبادل المعلومات، والتنسيق فيما بينها. ويستخدم العسكريون الإذاعة، في الطائرات والدبابات والسفن؛ إذ إنها تمكّن مراكز الاتصالات الكبيرة، وأجهزة المتحدث السيار من الاتصال المستمر بين الوحدات العسكرية.

د . في الاتصالات الخاصة :

يتلقى العديد من هواة تشغيل أجهزة الراديو، اتصالات بعيدة المدى، بوساطة أجهزتهم. ويستخدم الأطفال، في لعبهم، أجهزة متحدث سيار قصيرة المدى. كما يستخدم العديد من الناس أجهزة اتصال إذاعية، في سياراتهم الخاصة، أو سفنهم. ويُدعى هذا النوع من الراديو، الذي يشغل للأغراض الخاصة ـ موجة الإذاعة الخاصة. وقد مكن تطوير الإذاعة الخلوية، في الثمانينيات من القرن العشرين، من استخدام الهواتف المحمولة في كل مكان، وكذلك استخدام الهواتف المثبتة في السيارات.

هـ . استخدامات أخرى :

إضافة إلى الأصوات البشرية، تستطيع موجات الراديو نقل معلومات، تشمل إرسال أنواع عديدة من الإشارات واستقبالها؛ ما يتيح تشغيل أجهزة المِلاحة، ووسائل التحكم من بعد، وأجهزة نقل البيانات، إضافة إلى العديد من الاستخدامات الخاصة الأخرى.

و . المِلاحة :

تتولى موجات الإذاعة نقْل إشارات مِلاحية خاصة، تساعد الطيارين على البقاء ضمن خطوط السير المرسومة لهم. ولدى العديد من السفن أجهزة خاصة، تحدد مسارها، بمساعدة إشارات ملاحية مُرسلة من السواحل. كما تعتمد الطائرات والسفن على الرادار، وهو وجْه خاص من الإذاعة، لتحقيق أمْنها. وإضافة إلى ذلك يستخدم رواد الفضاء أجهزة مِلاحة، بمساعدة موجات الإذاعة، لقيادة سفنهم في الاتجاه المرسلة إليه.

ز . التحكم عن بعد :

يستخدم هذا النظام في توجيه الطائرات، التي تسير من دون طيار. ويمكن، كذلك، استخدام النبائط المتحكم فيها، في قيادة عربات القطار، أو فتح الأبواب وإغلاقها، أو تشغيل الآلات.

ح . نقْل البيانات :

تستطيع الأجهزة، التي تعمل بموجات الإذاعة، نقْل كمية كبيرة من المعلومات، وبسرعة عالية، بين جهازَين إلكترونيَّين؛ كما في حالة إرسال معلومات، من جهاز اتصال على الأرض، إلى حاسوب على متن سفينة فضائية. وتستخدم موجات الإذاعة، كذلك، في نقْل صور الفاكسميلي، بتحول الصور إلى إشارات إلكترونية.

ط . الاستخدامات الخاصة :

يستخدم الجواسيس، ولجان التحقيق، أجهزة مخبأة، تعمل بموجات الراديو، تدعى المنصتات؛ للتصنت على المحادثات، بغرض الحصول على المعلومات السرية. كما تساعد الأجهزة، التي تعمل بموجات الإذاعة، على تشخيص أمراض المعدة؛ إذ يبتلع المريض قرصاً، يسمى القرص الإذاعي، أو الكبسولة الإذاعية، تحتوي على باعث إذاعي صغير الحجم، يبثّ معلومات طبية حول وضع المريض. وتوجد أنواع من الموجات الإذاعية، ذات طاقة عالية، تستطيع تحضير الطعام المطبوخ، في ما يُسمى أفران الميكروويف.



هناك تعليق واحد:

محمد .ك يقول...

السلام عليكم
لدي صوت جد مقبول للعمل كمذيع
أرجو الحصول على الفرصة المناسبة،
دمتم.